تباينات وتنوعات طبيعية في المجتمع اليمني حولها الساسة المتصارعين على السلطة وعلى المصالح والمكاسب إلى صراعات كامنة، ما لبثت أن ظهرت على المشهد السياسي والاجتماعي اليمني بشكل مقزز.
في الحقيقة من المستحيل أن نرى مجتمع لا يحتوي على اختلافات أو تباينات في وجهات النظر بين أفراده وقواه المكونة له؛ فوجود مجتمع تتطابق فيه كل الأفكار والآراء يعد ضرباً من ضروب الخيال.
حقيقتاً لقد أجج الساسة التنوعات الطبيعية في المجتمع اليمني وعملوا على تغذيتها بشكل سلبي وجعلوا منها حساسيات مصطنعة وخلافات عميقة، وبذلك عوضاً عن جعل ظاهرة، الاختلافات والتباينات والتنوع، ميزة من ميزات المجتمع وأساساً لتطوره ونموه، جعلوها عامل من عوامل تدمير وتمزيق النسيج المجتمعي اليمني، وقد ظهر ذلك جلياً منذ بداية موجة ما سمي بالربيع العربي، التي ضربت عدد من دول المنطقة العربية ومنها اليمن في العام 2011، فبدأ استحضار بعض مصطلحات الفوضى والفتنة-المسيسة التي عفا عنها الزمن وبدأ اللعب على وتر الحساسيات في استغلال واضح وسيء لمناخ ديمقراطي ناشئ، كان سائداً حتى العام 2011.
نعم لقد تم استحضار مصطلحات كالمركز المقدس، أبناء الهضبة، الجبالية، الجنوب العربي، البدو، الطغمة، الزمرة، شمالي، جنوبي، السادة والقبائل، الهواشم واليمنيين، المهمشين والأخدام، وطني ومرتزق، سني، شيعي وغيرها من المصطلحات التي تعكس أزمة الولاء الوطني في اليمن، وبدأت تتحول فعلاً إلى صراعات دموية؛ خاصة في ظل نخبة سياسية أنانية ساعدت على ترسيخ هكذا وضع، بل وتسعى اليوم من أجل تحقيق الأقلمة في اليمن، وهو ما سيزيد من تعميق الصراعات بداخل المجتمع، إلى صراعات بين الأقاليم المختلفة المُراد تكوينها، أقلمة لم تراعي حتى عدد السكان والثروات والمنافذ البحرية لكل إقليم يراد انشاءه، بل حتى الهوية اليمنية في المحافظات الجنوبية يراد مصادرتها وجعلها جنوب عربي، وفي الشمال يُراد استبدال الهوية اليمنية بالهوية الإيمانية، وعلمنا الجمهوري يُريدونه عدة أعلام.
لنجعل اليوم من الآلم المشترك الذي نعاني منه نحن اليمنيين البسطاء جراء استمرار الحرب وانهيار دولتنا، قوة دافعة لنا للضغط من أجل تسريع السلام السياسي، خاصة وأن هناك توجه دولي وإقليمي نحو ذلك، وأيضاً نجعل منه اللبنة الأساسية لخلق الولاء الوطني وذلك عبر إرساء أُسس السلام المجتمعي – من خلال إجراءات سأذكرها إن شاء الله في المقال المقبل- الذي إن حدث سيكون الشعب اليمني في مأمن من أي صراع سياسي قد يحصل بين من يقودون البلاد، كون ولاء الشعب حينها لليمن ولمؤسساتها المركزية.